سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السادسة عشر
زمَّ الماءُ زمّاً
ترك الخليل زوجته هاجر ووليدها إسماعيل قرب أساسات بيت الله العتيق وعاد عند زوجته الكبرى المؤمنة العجوز العاقر سارة فيما جرت أحداث جسام في ذلك الوادي الذي لا زرع فيه ولا ضرع.
بحثت هاجر عن ظلّ شجرة تلوذ به من حرّ الحجاز اللاهب ولم تفلح، فالمكان أجرد كاملاً، ومسّها العطش بحثت عن شربة ماء ولم تجد وهنا بدأ الطفل يصرخ يريد أن يشرب أو يرضع من صدر أمّه دون فائدة فقد جفّ حليبها.
تصاعدت صرخات الطفل، وأمه بين عدة نيران؛ فهي تبحث عن ظلّ تضع وليدها تحته ولم تفلح، وتبحث عن ماء تشرب هي ووليدها ولم تجد، فوضعت وليدها تحت حرّ الشمس وراحت مهرولة ساعية بين جبلين صغيرين يسمى أحدهما الصفا فيما يسمى الثاني المروة.
كانت ترى السراب قرب الصفا فهرولت نحوه ظنّاً منها أنه ماء حتى إذا وصلته لم تجده ماء، ولكنّ السراب يخدعها ثانية فتحسب سراب المروة ماء حتى إذا جاءته لم تجده شيئا، وهكذا فعلت سبع مرات تهرول باحثة عن الماء وسط الوادي.
جلست الغريبة الوحيدة هاجر تحت حرّ الشمس ووضعت وليدها في حجرها تظلل عنه الشمس وهي تراه يذوي ويذوب ويشارف على الهلاك، لم تكن لتبالِ بحالها فالمهم هو ابن خليل الرحمن ووحيده على الكبر، وضعت ابنها على الأرض ثانية كي تبحث في محاولة أخيرة يائسة عن الماء وهنا كانت المفاجأة.
ضرب إسماعيل الرضيع الأرض برجله وإذا بالماء ينبع ويسيل فما كادت هاجر لتصدق ما ترى لذا عمدت إلى الماء الذي نبع فزمّته أي وضعت له سدّا صغيرا كي يتجمع فيه لتشرب منه.
☝️ وهنا ملاحظة لا بدّ منها:
حين عطش إسماعيل الرضيع وأمه هاجر التي سعت بين الصفا والمروة بحثا عن الماء جعل المولى عز وجل حركتها جزءاً من أجزاء الحجّ وصار على جميع المؤمنين أن يهرولوا كما هرولت ومن لم يفعل بطل حجّه وإن أنكر على الله ذلك فقد كفر.
الله تعالى يحبّ إحياء ذكر خواصّ عباده ومن ذلك ما ذكرناه أعلاه وكذا ما جرى على الإمام الحسين في كربلاء يجب أن يحفظ ويعطى حقه لأن ما جرى على عائلة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) أعظم بكثير مما جرى على آل إبراهيم.
فإن كان الرضيع إسماعيل عطش وحصل بعدها على الماء فعبد الله بن الإمام الحسين عطش وبعدها ذبحوه، وإن كانت هاجر سعت من أجل ولدها فزينب بنت علي سعت من أجل اثنين من أولادها وإخوتها وبني إخوتها، ثم سعت كي تحفظ الأيتام والعيال.
ثم ماذا حصل بعدها؟ سنعرف هذا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.