سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّانية
أسماء لامعة
واحدة من أفضل الشخصيّات القرآنيّة هي شخصيّة النبيّ الكريم نوح (عليه السَّلام) كونه أوّل الرّسل وأقدم أولي العزم مبعثاً وصاحب أوّل الشّرائع السّماويّة الخمسة، ولقد خلفه وصيّه سام وسار على نهجه وخطّه ليوصل سامٌ الأمر إلى وريثه ووصيّه وولده الصّالح (أرفكشاد) الّذي سلّمها بدوره إلى وريثه وولده ووصيّه (شالح) ومنه إلى (عابر) ثمّ إلى (فالج) ومنه إلى (رعو) ثمّ إلى (سروج) ومنه إلى (ناحور) ثمّ إلى (تارح) الّذي سرعان ما فارق الحياة تاركاً زوجته المؤمنة وهي تحمل في أحشائها حملاً مباركاً لم يدر أحد كم سيكون هذا المولود عظيماً؟!
في ولادات الكثير من العظماء أسرار وخفايا فاتت على المؤرّخين فضلاً عنّا، ومن تتبّع موالد الخمسة المباركة أعني أولي العزم (نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، محمّد) يجد أنّهم (عليهم أفضل صلوات المصلّين) ولِدوا بشكل استثنائيّ أو كانت ولاداتهم في أزمنة وظروف وأسباب قلّ أن تتكرّر؛
فمن محاولة أبرهة الحبشيّ قتل المولود (محمّد) وانتقام السّماء منه بطير أبابيل، إلى ولادة (عيسى) من دون أب ثم تكلّمه في المهد، إلى ولادة موسى سرّاً وإلقائه في أمواج البحر ثمّ حياته العجيبة وسط بيت فرعون الّذي ذبّح الأطفال كلّهم بحثاً عنه، وهكذا مروراً بمولد إبراهيم ونوح (عليهم السّلام جميعاً).
ففي سنة ٢٠٠٠ قبل مولد السّيّد المسيح (عليه السّلام) تقريباً وفي بيت قريب نسباً من بيت النّمرود الحاكم الأكديّ البابليّ الّذي فتح باباً من الجهل والتّخلّف والطّغيان لم يسبقه إليه أحد من قبله تمثّل بادّعاء الرّبوبيّة لنفسه متّخذاً من النّاس عبيداً له، كانت هناك امرأة مقرب تحيط بها البلايا من كلّ مكان فقد رأى أحد المنجّمين (وكان الأكديّون بارعون في علم النجوم) أنّ شخصاً عظيماً مهاباً سيولد هذه السنة وهو يشبه ناراً كبيرة اشتعلت في قصر نمرود فأحرقته وكلّما حاولوا إطفاءها فشلوا.
فزع هذا المنجّم من هول ما شاهد وعلم فدعا المنجمّين وكبار الديانة الصّابئيّة آنذاك وهم من عبدة الكواكب وتناولوا الأمر معاً ليخرجوا بقرار واحد وهو أن يبلغوا نمرود بخطورة الأمر، وذهبوا عنده معاً وشرحوا له الأمر لينخطف لونه ويتمسّك بعرشه ويصرخ بأعلى صوته (اذبحوا كلّ مولود يولد هذه السّنة) ولكنّ المنجّمين وكبار الصّابئة قالوا له: لا داعي لقتل جميع المواليد لأنّ المولود الجديد الخطر عليك وعلينا هو من العوائل المقرّبة لك وعليك أن تبحث عنه في بيوتكم لا في أيّ بيت آخر.
وممّا لا يخفى على أحد أنّ نمرود هو من ذراري حام وليس ساماً، ولكن كانت تربطه علاقة خاصّة بآزر صانع الأوثان لقصر الملك وهو قريب لأمّ إبراهيم الخليل فقيل: هو أبوها وقيل: زوجها بعد رحيل والد إبراهيم وقيل: غير ذلك.
انطلق رجال القصر النمروديّ بسرعة يكسرون بيوت كلّ قريب من القصر يبحثون عن طفل قد ولد للتوّ فيقتلونه أو امراة مقرب فتوضع تحت الحراسة حتّى تلد فإن كان ذكراً قتلوه وإلّا تركوها.
حارت المرأة المؤمنة أرملة (تارح) بأمرها فأخفت حالها في كهف من كهوف الكوفة الغرّاء بعيداً عن زحمة العاصمة الأكديّة بابل وهناك كانت على موعد مع ولادة نور سماويّ سيحطم أصنام أكد ويسفّه عقيدة الصّابئة المحرّفة ويحرج نمرود ويظهر لمن عبده أنّه مجرّد أحمق مصاب بداء العظمة.
ثمّ ماذا حصل؟ سنعرف هذا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.