سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الحادية والعشرون

ضيف إبراهيم

لم يكن مضيف خليل الرحمن ليخلو من الضيوف ساعة واحدة، فهو مقرّ للموحدين يتلقون فيه دينهم ويأكل هناك الفقراء بل وغير الفقراء، وهو ملجأ لكلّ طريد ومأوى لكلّ غريب، فلا غرابة إن قلنا: إنّ الكرم والجود تأسس على يد إبراهيم الذي ورّثه بدوره إلى آل محمد الطاهرين.
كما هي العادة في كلّ يوم تجمهر الفقراء في مضيف الخليل ينتظرون طعام الغداء الذي كان يعدّه بعض الخدم أو بعض الذين يجيدون الطبخ من الفقراء ذاتهم على أن يختار الخليل عجلاً من سمان ما عنده من العجول، ولكنّ ذلك اليوم لم يكن مثل أي يوم كان ففيه أمر عجب.
لم يشعر إبراهيم إلا وأربعة شباب يلبسون أفخر الثياب ولهم جمال وجه أخّاذ وتفوح منهم روائح لم يعرفها من قبل وعليهم سيماء الكرامة والعزّة، وهم يدخلون عليه المضيف، وبادروه بالسلام : (هَل أَتاكَ حَديثُ ضَيفِ إِبراهيمَ المُكرَمينَ إِذ دَخَلوا عَلَيهِ فَقالوا سَلامًا قالَ سَلامٌ).
اهتمّ إبراهيم بشأنهم أيما اهتمام فدخل على العجوز المؤمنة سارة وقال لها: – عندي ضيف عجيب. – وكيف ذاك يا خليل الرحمن؟ – شكلهم، ملبسهم، عطرهم، هيبتهم، توحي بأمر ما. – وماذا أنت صانع؟ – إكرامهم قبل كلّ شيء، ثمّ نعرف سرّهم.
نادى الخليل على الشباب الذين يقومون بالطبخ وطلب منهم تعجيل الطعام الذي كان عجلاً حنيذاً (مشويّ، حارّ، يقطر منه الدهن). لحظات (فَما لَبِثَ أَن جاءَ بِعِجلٍ حَنيذٍ) وإذا به يدخل على ضيوفه بمعيّة بعض الشباب الذين وضعوا العجل المشويّ داخل آنية كبيرة لها عُرب يحملها الشباب منها وقد تغطّى العجل بالخبز الحارّ وشيء من الخُضار مع جرّة قد مُلئت باللبن يحملها أحدهم فيما حمل الآخر كوزاً من الماء ووضعوه أمام الضيوف.
امرأة الخليل (كما هو حال معضم العجائز) كاد الفضول ان يفتك بها لمعرفة ما يجري في غرفة الضيوف الخاصّين فهي لا تمتلك ابنا ولا حفيداً كي ينقل لها ما يجري من أحداث بين الضيوف وبين إبراهيم لذا عمدت إلى الوقوف خلف الباب متكئة على عصاها – فهي قد قاربت المائة عام – لعلها تسمع ما يجري هناك.
بعد أن صار الطعام أمام الضيوف لتناوله تفاجأ الخليل بعدم قبولهم تلك الدعوة، فعمد إلى الطعام فقربه إليهم دون أي نفع فعرض عليهم تناوله (فَقَرَّبَهُ إِلَيهِم قالَ أَلا تَأكُلونَ).
سرت لحظة صمت أوجس الخليل فيها خوفاً قد يكون سببه: ١. من يرفض الأكل من طعامك يعلن أنك لست بمأمن من شرّه. ٢. قد يكون لهم حاجة ولن يأكلوا حتى أحققها لهم، وخوفي من عدم قضاء حاجتهم ما يعني عدم أكلهم وأنا أحبّ أن أكرمهم. ٣. قد يكون القوم لا رغبة لهم بأكل اللحم بل يحبّون نوعاً آخر من الطعام، ما يعني عدم أكلهم أيضاً.
أخذت الاحتمالات تكثر في فكر الخليل فيما امرأته زادت دقات قلبها وهي تسمع وتحس بما يجري مع الخليل. وهنا حان الأوان لهذا الضيف أن يبين سبب عدم أكله من طعام الخليل، وكانت مفاجأة من العيار الثقيل.
ماذا حصل؟ سنعرف هذا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الأولى
العالَم قبل الخليل
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّانية
أسماء لامعة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّالثة
ولادة اليتيم
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الرابعة
حُججٌ دامغة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الخامسة
هزيمة لمحور الجهلاء
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السادسة
هزيمة الصّابئة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السّابعة
فأس الخليل
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّامنة
محاكمة إبراهيم
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة التّاسعة
برداً وسلاماً
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة العاشرة
معجزة خالدة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الحادية عشرة
حنيفاً مسلما
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّانية عشرة
بهت الذي كفر
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثالثة عشر
في الشام
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الرابعة عشر
عدة أحداث
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الخامسة عشر
عند مكّة
Scroll to Top