سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّالثة

ولادة اليتيم

كما هو مرسوم له من قبل المولى عز وجل فقد آن أوان ولادة المشرّع المبارك اليتيم بعد أن أخفته أمّه واختفت معه في كوفة نوح، وها هو وجهه يتلألأ وسط ظلام كهف بسيط لا يكاد يعرف أحدٌ له طريقاً.
في الوقت الّذي كانت أمّ المبارك إبراهيم (ومعناه أبو الجمهور أو الإمام) تلاعب وليدها وتناغيه وتهدهده في كهف في الكوفة بعيداً عن عيون كلّ ذي عيون، كانت بابل العاصمة تغلي وتفور ورجال نمرودها يجوبون الأزقّة بحثاً عن أيّ مولود كان بعد أن لم يجدوا ضالتهم في بيوت الملك وحواشيه، وصورة النّار الكبرى الّتي تحرق قصره تلوح في خيال نمرود الّذي أشغله وأسهر ليله ما ذكره المنجّمون عنده ولكن دون أيّ فائدة جرّاء البحث عن ذلك المولود.
وتمرّ الأيّام سريعة على البعض بطيئة على الآخرين ومنهم أمّ إبراهيم الّتي آن لها أن تُخرج وليدها من كهفه وتعرّفه على العالم حوله وتعرّف العالم به، وعادت به بعد غيبة ليست بالقصيرة وحطّت رحالها عند آزر ذلك الرّجل المتناقض الّذي من جهة تكفّل الطّفل إبراهيم وتوعّد أمّه بأن يحميه من عيون الحرس وتقارير الأمن القاتلة، ومن جهة أخرى هو مقرّب جدّاً لنمرود بل هو نحّات القصر وصانع الأصنام فيه والمقرّب المدلّل في ذلك القصر الفاره.
لم يكن ذلك الطّفل المبارك ليتأثّر بسهولة بما يراه ويسمعه من آزر الكافر صانع الأصنام مع أنّه كان يناديه بكلّ ودّ (يا أبتي) ومع مرور الوقت صار آزر يطلب من إبراهيم أن يبيع الأصنام في سوق بابل العاصمة، ومع شيء من الإلحاح ونبرة استعلاء ومنّة وضغوط أخرى أخرج آزرُ إبراهيمَ إلى السّوق حاملاً بعض ما صنعه آزر بيده من منحوتات صنميّة كي ينادي بها إبراهيم لتباع على النّاس
وهنا حصل ما لم يتوقعه أحدٌ سيّما آزر الّذي ظنّ أنّ إبراهيم صار موزعاً لمنحوتاته، فإبراهيم الصّغير في العمر صار يطوف في سوق بابل وسط زحمة النّاس حاملاً بيده بعض الأصنام وهو يصيح بكلّ صوته : مَن يشتري، مَن يشتري، أصناماً من حجارة لا تضرّ ولا تنفع! أوثاناً من خشب لا خير فيها!؟
ويستمرّ يصيح وسط ذهول المارّة وتجمهرهم عليه ومحاولتهم الفتك به وقتله ولكنّه يكرّر قوله ويضيف: أيّ أحمق هذا الّذي ينفق ماله كي يشتري حجراً ويزعم أنّه ربّه وخالقه؟!
وصل أحدهم إلى القصر مهرولاً وهو يبحث عن آزر، وبعد أن وجده أخبره الخبر فجنّ جنونه وطار لبّه واختلّ توازنه، وصاح : أمجنون أنت؟ من قال لك هذا؟ أين هو الآن؟ ماذا يحصل؟
ويرجع إبراهيم إلى أمّه كي يخبرها بكلّ هدوء عمّا جرى معه في السّوق، فتضمّه خائفة وتحنو عليه داعية له فيما آزر يدخل كالوحش الهائج وهو يصيح على إبراهيم ويهدّد ويرعد ويجبره على العودة للسّوق وتقديم اعتذار للأصنام أمام النّاس فيعود إبراهيم مكرّراً نفس ما قال من قبل، معلناً بدايةً حرب فكرية على الحضارة الأكدية وعلماء الصابئة الردّ عليها بالفكر لا بالقتل.
صار ذلك الطّفل المتمرّد على عبادة الأصنام ومن فوقها نمرود هو حديث الشّارع والعوامّ، وصار حديث أنّ عبادة الأصنام فكرة مضحكة هو السّائد بين العقلاء منهم، والقادم أعلى وأخطر.
ما هي الخطوة الثانية التي خطاها إبراهيم؟ وما هو دليله الجديد؟ سنعرف هذا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الأولى
العالَم قبل الخليل
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّانية
أسماء لامعة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الرابعة
حُججٌ دامغة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الخامسة
هزيمة لمحور الجهلاء
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السادسة
هزيمة الصّابئة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السّابعة
فأس الخليل
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّامنة
محاكمة إبراهيم
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة التّاسعة
برداً وسلاماً
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة العاشرة
معجزة خالدة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الحادية عشرة
حنيفاً مسلما
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثّانية عشرة
بهت الذي كفر
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الثالثة عشر
في الشام
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الرابعة عشر
عدة أحداث
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة الخامسة عشر
عند مكّة
سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السادسة عشر
زمَّ الماءُ زمّاً
Scroll to Top