سيرة بطل التّوحيد إبراهيم الخليل - الحلقة السادسة
هزيمة الصّابئة
قبل الشروع في بيان ما جرى من النقاش بين الخليل والصابئة نبيّن أنّ الصابئة من أهل الكتاب ويرى بعض العلماء أنّهم فرقة انشقت من المجوس سكنت أول ما سكنت أراضي واسط وميسان في العراق وهم يزعمون أنّ أول أنبيائهم هو شيث بن آدم فيما نبيّهم الثاني والأخير هو يحيى بن زكريا المعمدان على الرغم من طول الفترة بين هذين الكريمين، وهم يرون أنّ الماء الجاري أساس في عقيدتهم لذا تراهم يجاورون الأنهار، انحرفت عقائدهم كثيراً بمرور الزمن حيث كانوا في زمن النبي الكريم إبراهيم يعبدون الكواكب بل ويصنعون لها تماثيل مجسمة وقد بلغ بهم الجهل والسفاهة مبلغاً أنّ كتابهم المقدس (كنزاربا) حين ضاع بسبب الحروب والغزوات وبُعد الزمان قاموا بإعادة كتابته وجاءوا بكلام من تأليف أحد الشعراء العراقيين في قرابة سنة ١٩٩٩ ميلادية ونسبوه إلى الله تعالى، وهم الآن يتعبدون به ويزعمون كذباً مفضوحاً أنه من عند الله، ولا حول ولا قوة الا بالله.
على كلٍّ نقلَ لنا القرآنُ الكريم خبرَ ما جرى في
النقاش الثاني : مع الصابئة :
وقبل أن يقصّ علينا القرآن ما جرى ذكر أنّ إبراهيم وصل مرحلة عالية من المعرفة والقرب الإلهي تمثل : بـ(كَذلِكَ نُري إِبراهيمَ مَلَكوتَ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلِيَكونَ مِنَ الموقِنينَ) فصار ينظر بعين برزخية إلى عرش الرحمن ويرى الملائكة تسبّح ربها، ما أعطاه طاقة هائلة أهّلته لخوض لجج الحوارات مع مختلف الثقافات فهو قد خرج قُبيل المغرب إلى معبد من معابد الصابئة وسط حضور علمائيّ وشعبيّ كبير وكان حينها موسم عبادة عندهم فلما رأوه وسطهم وكانوا قد سمعوا بعداوته للأصنام وتسفيهه لكل ما يُعبد إلا الله وحده لا شريك له فلذا كانوا حريصين على غلبته.
دخل بطل التّوحيد عليهم فاضطربت قلوب القوم 📖 (فَلَمّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأى كَوكَبًا) وهو كوكب الزُهرة وهو مقدّس عند الصابئة، قالَ إِبراهيمُ مستخدماً طريقة عجيبة في الحوار وهي أنّه كان يعطي فرضيات تماشي واقع حال الصابئة، فهو حين رأى الكوكب 📖 (قال هذا رَبّي) يعني فلنفترض أن هذا الكوكب الذي تعبدونه أيها الصابئة هو ربي فلننتظر وإياكم ماذا سيحلّ به، وبعد وقت ليس بالطويل أفل الكوكب وغاب 📖 (فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلينَ) أين ذهب هذا الرب ولماذا غاب؟!
📖 (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) لأنّه أوضح وأكبر في العيون 📖 (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) هذا الخطاب من إبراهيم وسط شوشرة داخل المعبد الصابئيّ وأخذ وردّ منهم بلا أيّ حجّة بل اضطربت عقيدة القوم وتزلزلت.
📖 (فَلَمّا رَأَى الشَّمسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبّي هذا أَكبَرُ) من القمر وغيره، (فَلَمّا أَفَلَت) حين الغروب (قالَ يا قَومِ) اسمعوا مني 📖 (إِنّي بَريءٌ مِمّا تُشرِكونَ إِنّي وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرضَ حَنيفًا وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ).
جنّ جنون القوم وتصايحوا لأنّ إنساناً يسفّه عقيدتهم وسط معبدهم وبدأ بعضهم بمحاججته 📖 (قالَ أَتُحاجّونّي فِي اللَّهِ وَقَد هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشرِكونَ بِهِ إِلّا أَن يَشاءَ رَبّي شَيئًا وَسِعَ رَبّي كُلَّ شَيءٍ عِلمًا أَفَلا تَتَذَكَّرونَ)، فحاول القوم أن يخيفوه من لعنةٍ تصيبه جرّاء كفره بما يعبدون فقال: 📖 (كَيفَ أَخافُ ما أَشرَكتُم وَلا تَخافونَ أَنَّكُم أَشرَكتُم بِاللَّهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ عَلَيكُم سُلطانًا فَأَيُّ الفَريقَينِ أَحَقُّ بِالأَمنِ إِن كُنتُم تَعلَمونَ).
لم ينته النقاش عند هذا الحدّ بل قال إبراهيم كلمة أحرق بها قلوبهم وذهب عنهم تاركاً إياهم وسط ذهول من شجاعته وعلمه وقوة حججه.
ما هي تلك الكلمة التي قالها؟ ماذا حصل بعد ذلك؟ سنعرف هذا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.